من خلال عنوان هذا الكتاب يثير الكاتب دميتري ترينين، وهو المدير الحالي لمركز كارنيغي في موسكو، سؤالًا يُعَدّ محل اهتمام العديد من الناس في الوقت الحاضر؛ وذلك بسبب التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط الذي يُعَدّ منطقة مضطربة تهزّها الصراعات السياسية والعسكرية المستمرّة والتدخلات الخارجية. فالشرق الأوسط يشهد الآن حربًا مستمرة، هي الحرب في سوريا التي وفّرت لروسيا التدخل دفاعًا عن نظام الأسد من خلال التدخل العسكري، ولا تُعَدّ مصلحة موسكو في المنطقة أمرًا جديدًا؛ إذ طالما جذب الشرق الأوسط انتباه روسيا خلال الحرب الباردة، وحتى قبل ذلك.
يتناول ترينين في هذا الكتاب الحرب السورية، وعلاقات روسيا مع الدول الأخرى في المنطقة على مستويات مختلفة، ويقدّم الكتاب تلميحات بسيطة حول انخراط روسيا في شؤون الشرق الأوسط.
يبدأ ترينين كتابه بإبداء تخوّفه من التفسيرات الخاطئة العديدة لانخراط روسيا في الشرق الأوسط؛ بسبب سوء التحليل والتقدير، والمعلومات الخاطئة، والتحيز الإعلامي. ووفقًا لترينين، يهدف هذا الكتاب إلى تصحيح هذه الأخطاء من خلال توضيح دور روسيا في المنطقة، ولا يجيب الكتاب مباشرة عن هذا الأمر، لكنه يتعمّق في العلاقات التاريخية بين روسيا ومنطقة الشرق الأوسط منذ زمن القياصرة، وبدلًا من إعطاء الحجج والتفسيرات- يحلّل ترينين الشؤون المشتركة بين الدول، التي تطورت مع مرور الوقت حول تضارب المصالح والاقتصاد والتطورات الإقليمية والدولية.
وبحسب ما يرى ترينين فإنّ لم تخرج روسيا إلى الشرق الأوسط لأخذ موضع الولايات المتحدة فيها، بحيث تكون ممثّلًا رئيسًا أو شرطيًّا رئيسًا، كما أنّه يَعُدّ الأزمة الأوكرانية عام 2014 والتدخل الروسي في الحرب السورية منذ عام 2015 حالتين أدّت فيهما روسيا ما بعد السوفييتية دورًا بصفتها لاعبًا جيوسياسيًّا مستقلًّا كبيرًا في السياسة العالمية، ويربط الكاتب موقف روسيا من الحرب السورية باستياء موسكو من الربيع العربي، ويؤكّد أن الكرملين لا يدعم الحركات الثورية في دول الشرق الأوسط، فبعد رؤيتها الزعيم الليبي معمر القذافي الذي أطاح به التحالف الغربي، كرّست موسكو جهودها لمنع سوريا من معاناة المصير نفسه، ويمكن الاستدلال على ذلك بالخوف من الإرهاب السني المتطرف، وآثاره المحتملة على الأقلية السنية في روسيا، وهي المسوِّغات التي يسوقها الكتاب لتدخل موسكو في الحرب.
يتكون الكتاب من أربعة فصول: يحتوي الفصل الأول -وعنوانه "التاريخ"- على مشاركات روسيا الأولى مع دول الشرق الأوسط اليوم، ويعيد تاريخ التفاعل بين الدول إلى الزواج بين دوق موسكو وابنة أخ الإمبراطور البيزنطي، ومن ثَمّ اكتسبت موسكو لقب "روما الثالثة". ووفقًا لترينين فإنّ غزو القسطنطينية وزوال الإمبراطورية البيزنطية حثّا روسيا على السعي للوصول إلى البحر الأسود، ثم إلى حوض بحر قزوين، وقد استمرّ هذا المسار مع الحروب مع الإمبراطورية العثمانية، واتفاقات التقسيم مع القوى الأوروبية خلال الحرب العالمية الأولى، وتحالفات اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ودعم بلدان الشرق الأوسط الناشئة حديثًا.
ويقيم الكتاب العديد من القضايا في مسار الأحداث الرئيسة، مثل الحروب العربية الإسرائيلية، والثورة الإيرانية، والحرب الأفغانية، وحلّ الاتحاد السوفياتي، وهجمات 11 سبتمبر، والربيع العربي، وأخيرًا الأزمة السورية من منظور الكرملين. ويشير هذا القسم إلى جميع نقاط التحول الرئيسة تقريبًا في تاريخ الشرق الأوسط؛ ومع ذلك، لا يقدّم الكتاب هذه القضايا بطريقة مفصّلة جدًّا، كما يعطي هذا القسم مقدّمة مثالية لعلاقات روسيا في الشرق الأوسط.
أما الفصل الثاني –وعنوانه "الحرب"- فيتناول الحرب السورية، ودافعَ روسيا في المشاركة. وبحسب ترينين فإنّ التدخل الروسي في الأزمات السورية يرمز إلى عودتها إلى الساحة العالمية بوصفها دولة رئيسة في صنع القرار، ويؤكد ترينين حسابات إدارة بوتين حول نطاق الحرب وقيودها، والدروس التي تعلمتها روسيا من الحرب الأفغانية.
وتشمل الاهتمامات الأساسية لهذا الفصل دوافع روسيا في الوقوف إلى جانب نظام الأسد، وإستراتيجية بوتين للحرب، وملخصًا للنزاعات العسكرية بين الأطراف المتحاربة، والعمليات الجوية، والتحالفات، وحسابات اللاعبين الآخرين في المنطقة، مثل الولايات المتحدة وإيران وتركيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية ودول الخليج.
ثم يقدّم ترينين ملاحظتين مهمّتين: أُولاهما أن موسكو لم تنشر -بعد أخذها درسًا من إخفاق تدخلها في الحرب الأفغانية وهو بلد أجنبي مسلم- سوى القوات الجوية والبحرية في الصراع السوري. وثانيتهما أن الدخول في الحرب يمنح روسيا فرصة لاختبار أسلحتها، وإجراء مناورات عسكرية، ومن ثَمّ تعزيز أسلحتها ومصداقيتها بوصفها حليفًا.
وفي الفصل الثالث -وعنوانه "الدبلوماسية"- يتناول الكاتب الكيفية التي تهدف روسيا من خلالها إلى الاضطلاع بدور دبلوماسي في المنطقة، حيث يستغل الكرملين الخلافات بين الدول للحفاظ على مصالحه بالمنطقة، وهناك ملاحظة ناقدة في هذا الفصل تمتد في كل الكتاب، وهي أن روسيا تخلّت عن السياسة الخارجية الحادّة، حيث لا يمكن لدولة أن تكون سوى صديقة أو عدوّة، فلم تعد روسيا تتبع سياسة الدعم غير المشروط أو الاعتراض الكامل على الدول كما فعلت في أيام الحرب الباردة، بل بدلًا من ذلك، تنخرط موسكو في علاقات مع أطراف متضاربة في الوقت نفسه من دون تفضيل دولة على أخرى، ويقدّم ترينين العديد من الأمثلة التي تلعب فيها روسيا بدبلوماسية، مثل الصراع العربي الإسرائيلي، وإسرائيل- سوريا، وإيران- إسرائيل، والعلاقات الإيرانية- التركية، وكذلك ليبيا ومصر، ودول الخليج تحديدًا في الحرب الباردة، وبعد الربيع العربي.
ويتناول الفصل الرابع موضوع "التجارة"، وهو الفصل الأخير، ويقدّم حسابًا للإمكانات التجارية لروسيا، حيث تُعَدّ الأسلحة، والطاقة النووية والهيدروكربونية، والحبوب، والسياحة- من بين المنتجات والمجالات الروسية القابلة للتصدير. ويشير ترينين إلى أن روسيا تتبوّأ المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة في توريد الأسلحة، إذ زودّت روسيا دول المنطقة بالسلاح منذ سنوات الحرب الباردة، بينما كانت تدعم الدول العربية المعادية للغرب، مثل مصر وسوريا.
وحتى بعد الحرب الباردة استمرّت روسيا في تجارة الأسلحة مع كل دول المنطقة تقريبًا باستثناء إسرائيل. أمّا في تجارة الطاقة الهيدروكربونية فلا يوجد تبادل؛ بسبب موارد الطاقة الوفيرة في الشرق الأوسط، ومن القطاعات الأخرى التي تتعامل فيها روسيا مع دول المنطقة صادرات الحبوب وصناعة السياحة.
وختامًا نرى أن هذا الكتاب مفيد في معالجة العلاقة غير المتماثلة بين روسيا والدول الإقليمية، ومعالجة انخراط روسيا في الشرق الأوسط، حيث يركز الكتاب على جميع مساعي روسيا لربط نفسها بالمنطقة، من خلال حلّ النزاعات، والدبلوماسية، والتجارة، ومبيعات الأسلحة، والسياحة.
ومن مزايا هذا الكتاب أنّه يستخدم التحليل المقارن؛ لإعطاء صورة دقيقة عن العلاقات بين روسيا والشرق الأوسط، أمّا من الناحية المنهجية فيُقدّم المؤلف حالات مختلفة تجعل الكتاب وصفيًّا وسهل القراءة... ويُوصَى المثقّفون بقراءة هذا الكتاب، وخصوصًا الطلاب الجدد في العلوم السياسية، وأولئك الذين يرغبون في أن يكونوا على اطّلاع تامّ بالتطورات الحالية التي تتدخّل فيها روسيا في المنطقة.